بقلم: الدكتور زكريا خنجي
وصور الحب بين الزوجين يمكن أن تأخذ صورا وأشكالا شتى، ويعترف علماء النفس حين يتحدثون عن الحب بين الزوجين فيقولون إنه شعور من الداخل يؤثر على سلوك الفرد بشكل إيجابي، ويحدث له تغييرات في تصرفه وردود فعله، فالحب هو اسمى شعور يمتلك قلب الإنسان، حيث إن المحب يشعر بالسعادة والسمو الروحي، واشتعال المشاعر والأشواق طيلة الوقت، ومن أجمل مظاهر الحب أن يقوم المحب بإثار المحب في كل الأمور، فتراه تارة يحضر لحبيبته كل ما تتمنى من دون طلب منها، ويفاجئها بكل ما يسعدها، ويوفر لها جميع الاحتياجات من تلقاء نفسه، ويؤمن لها حياة ترضيها ومريحة لها، وتارة يمازحها ويضاحكها ويتلطف معها ويعيش متعتها معها، وهكذا تستمر الشعلة متدفقة بين الطرفين، وكل ذلك من أجل اسعاد الطرف الآخر.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعش مع زوجاته صورة واحدة من الحب، وإنما كان يلاطفهن ويضاحكهن بطرق شتى وأساليب مختلفة، وذلك ليس من أجل إظهار الحب فحسب، وإنما كان بالإضافة إلى ذلك من باب التنوع والتغير، إذ أن النفس البشرية تتململ وتتأفف من التكرار وخاصة في إظهار المشاعر. ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليمًا بطبيعة النفس البشرية لذلك لم يكن يكرر نوعية سلوكه وأساليب ممارسته في علاقته مع زوجاته رضي الله عنهن، ولقد ذكرنا بعضًا من تلك الممارسات ورأينا أنه كلما تدارسنا سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم نجد أن علماء النفس والأسرة يقفون إعجابًا لهذا الإنسان العربي الذي خرج من رحم الصحراء، تلك البيئة التي لم تكن تعترف بالمرأة ككائن بشرية، ويقفون عاجزين عن التعبير، وعلى الرغم من كل ما تم ذكره إلا أنه هناك المزيد.
فقد كان يضع اللقمة في فم زوجته، ويأمر بذلك فعن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك»، رواة البخاري. وقال ابن الحاج المالكي رحمه الله في المدخل وينبغي له ألا يخلي نفسه من أن يلقم زوجته اللقمة واللقمتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: «حتى اللقمة يضعها في فم امرأته». فقد حصل له الثواب مع أن وضع اللقمة في فم امرأته له فيها استمتاع، وينبغي له أن يحتسب في ذلك كله أعني، إحضار الطعام والإطعام.
على الرغم من الاستمتاع والحب والود الذي يمكن أن يحدث بين الطرفين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتف بذلك وإنما جعلها عبادة ويثاب الرجل على فعلها، أليس هذا رائعًا؟
وتارة كان صلى الله عليه وسلم يسير مع عائشة رضي الله عنها ليلاً ويتحدثا، كما رواه البخاري. ليس ذلك فحسب وإنما كان يسابقها مرة ومرات، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرْتِنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهِيَ جَارِيَةٌ فَقَالَ لِأصحابهِ: تَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ (أي مرة أخرى)، فَقَالَ لِأصحابهِ: تَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ، وَنَسِيتُ الَّذِي كَانَ، وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَقُلْتُ: كَيْفَ أُسَابِقُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ: لَتَفْعَلِنَّ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ.
وعندما نسقط هذا السلوك النبوي الشريف على عصرنا الحديث، فإن ذلك يعني أن يقوم الزوج باصطحاب زوجته في التنزهات في الحدائق والمجمعات التجارية أو ما شابه ذلك، أو من الممكن أن يخصص لها يوما أو ليلة يخرجان معًا لتناول الغداء أو العشاء، فإن ذلك يخفف كثيرًا من أعباء الزوجين المعيشية ويخرجهما من حالة الروتين والركود الذي يعيشانه، وهذا حق الطرفين على بعضهما بعضا، فقد سمعنا كثيرًا من زوجات يشتكين أزواجهن لأنهم يخرجون هم مع أصدقائهم ويتركونهن في البيوت ساعات وفترات طوال مع الأبناء وأعباء المنزل، وإن طلبت الزوجة الخروج فإنه يأخذها لتسوق حوائج المنزل ولوازمه والمواد الغذائية الخاصة بالمنزل فقط ويعتبر ذلك خروج عن المألوف، هذا إن خرج معها، وللأسف، فإن الكثير من الأزواج يترك حتى هذه المهمة للزوجة ويجلس هو في البيت ليشاهد التلفزيون أو أن يسهر مع أصحابه، أهكذا هي الحياة، منزل وأولاد وحياة جافة روتينية؟
اليوم في 14:17
