ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ ‏( 12 ‏

ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺔ ‏( 12 ‏)
-------------------------
ﻣﺮ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﺄﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺭ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ : ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ؟ ﻭﻗﺎﻡ، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻭﻭﺭﺍﺀﻩ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ، ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ : " ﻋﺪﻭ ﺍﻟﻠﻪ ! ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃَﻣْﻜَﻦَ ﻣﻨﻚ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻘﺪ ﻭﻻ ﻋﻬﺪ ."
ﻭﻗﺮﺭ ﺳﻴﺪﻧﺎﻋﻤﺮ ﻗﺘﻞ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻣﻮﻗﻒ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺃﺧﺬ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭﺃﺳﺮﻉ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝﷺ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻛﺐ ﺍﻟﺒﻐﻠﺔ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺑﻄﻴﺌﺔ، ﻭﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻳﺴﺮﻉ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝﷺ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻭﺗﻜﻠﻢ ﻋﻤﺮ ﷺ ﻭﻗﺎﻝ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻫﺬﺍ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺪ ﺃﻣﻜﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻨﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻘﺪ ﻭﻻ ﻋﻬﺪ، ﻓﺪﻋﻨﻲ ﺃﺿﺮﺏ ﻋﻨﻘﻪ .
ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺣﺮﻭﺏ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻗﺎﺩﻫﺎ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺫﻛﺮﻳﺎﺕ ﺃﻟﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ . ﻭﺳﻴﺪﻧﺎﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﻔﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ﻗﺎﻝ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ " ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻲ ﺃﺟﺮﺕُ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ."
ﺛﻢ ﺟﻠﺲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ ﻓﺄﺧﺬ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﺮﺃﺱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﻭﻗﺎﻝ : " ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳُﻨَﺎﺟِﻴﻪ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺭﺟﻞٌ ﺩﻭﻧﻲ ."
ﻓﻠﻤﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻪ، ﻗﺎﻝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ : " ﻣﻬﻼً ﻳﺎ ﻋﻤﺮ ." ﻓﺎﻟﻌﺒﺎﺱ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻳﻬﺎﺟﻢ ﻭﻳﺼﺮُّ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ :
" ﻣﻬﻼً ﻳﺎ ﻋﻤﺮ، ﺃﻣﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥْ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺑﻨﻲ ﻋﺪﻱ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻣﺎ ﻗﻠﺖَ ﻫﺬﺍ، ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻋﺮﻓﺖ ﺃﻧﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﻣﻨﺎﻑ ."
ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ : ﻣﻬﻼً ﻳﺎ ﻋﺒﺎﺱ، ﻓﻮﺍﻟﻠﻪ ﻹﺳﻼﻣﻚ ﻳﻮﻡ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲَّ ﻣﻦ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﺨَﻄَّﺎﺏ ﻟﻮ ﺃﺳﻠﻢ ." ﻭﻣﺎ ﺣﻤﻞ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺤﺐ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺇﺳﻼﻡ ﺃﺑﻴﻪ ﺃﻧﻪ ﻋﺮﻑ ﺃﻥ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺐَّ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﻣﻦ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ . ﺇﻧﻪ ﺍﻟﺘﺠﺮُّﺩ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ، ﻭﺍﻟﺘﺠﺮﺩ ﻟﺤﺐِّ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪﷺ ﻟﺪﺭﺟﺔ ﺃﻥ ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺐَّ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺐ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﺇﺳﻼﻡ ﺃﺑﻴﻪ . ﺇﻧﻪ ﺍﻟﺼﺪﻕ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻓﻘﺎﻝ ﷺ : " ﺍﺫْﻫَﺐْ ﺑِﻪِ ﺇِﻟَﻰ ﺭَﺣْﻠِﻚَ ﻳَﺎ ﻋَﺒَّﺎﺱُ، ﻓَﺈِﺫَﺍ ﺃَﺻْﺒَﺤْﺖَ ﻓَﺄْﺗِﻨِﻲ ﺑِﻪِ "
ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ، ﻭﺍﻧﺼﺮﻑ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ . ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻌﺬﺭ ﻋﻤﺮ t ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻫﺬﺍ؛ ﻷﻥ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺎﺩ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺖ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ .
ﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﻌﺬﺭ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻋﻘﺪ ﻭﻋﻬﺪ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻣﻮﻗﻒ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻛﺎﻥ ﺃﺻﺢ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ؛ ﻷﻥ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﺴﻠﻢ ﻭﻳﺤﺴﻦ ﺇﺳﻼﻣﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، ﻭﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻛﺴﺐ ﻣﺴﻠﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﻒ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻛﺎﻓﺮ، ﻭﻧﺠﺎﺓ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺳﻘﻮﻃﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﺃﺻﻠﺢ ﻟﻘﺮﻳﺶ؛ ﻷﻥ ﺇﺳﻼﻡ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻼﻡ ﻗﺮﻳﺶ، ﻓﺘﻨﺠﻮ ﻗﺮﻳﺶ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻭﺗﻀﺎﻑ ﻗﻮﺓ ﻗﺮﻳﺶ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻫﺬﺍ ﻧﺼﺮٌ ﻛﺒﻴﺮ .
ﻭﺇﺳﻼﻡ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺃﺣﻘﻦ ﻟﺪﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؛ ﻷﻥ ﺃﺑﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﻤﻨﻊ ﻗﺮﻳﺸًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﺴﻬﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ، ﺃﻣﺎ ﻗﺘﻞ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﺜﻴﺮ ﻗﺮﻳﺸًﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﺯﻋﻴﻢ ﻗﺮﻳﺶ، ﻭﻗﺪ ﻳﺜﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﺳﻴﺪ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﺪﻭﺭ ﺣﺮﺏ، ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻌﻮﺍﻗﺒﻬﺎ . ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻛﺎﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﷺﻣﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﻱ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﷺ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﺘﻮﺍﺯﻥٍ ﺭﺍﺋﻊ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﺮﻫﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ، ﻭﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، ﻭﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﻛﺎﺀ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺪﻋﻮﻱ

تسلمي علي المرور