المواجهة بين موسى وفرعون
واجه موسى فرعون بلين ورفق كما أمره الله ، حدثه عن
رحمته وجنته وعن وجوب توحيده وعبادته .
استمع فرعون إلى حديث موسى ضجراً هازئ وقد تصوره
مجنوناً تجرأ على مقامه السامي لأنه يريد أن يرسل معه
بني إسرائيل .
وبدأ فرعون يذكره بماضيه وبتربيته له ، ويذكره بحادث
مقتل القبطي .. وظن فرعون أنه رد على موسى رداً لن
يملك معه جواباً .. إلا أن موسى انطلق لسانه:
(قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)
ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة:
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ)
وبدأ الإقناع بأسلوب جديد ، وهو إظهار المعجزة
ألقى موسى عصاه فتحولت لثعبان هائل يتحرك بسرعة ..
ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر .
وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل .. فشاور فرعون
الملأ من حوله فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر
مثله ، بعد التهيئة والاستعداد ، وحدد الميقات ، يوم الزينة .
وذهب السحرة لفرعون ليطمئنوا على الأجر والمكافأة ،
وها هو فرعون يعدهم بأكثر من الأجر..
يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه وهو بزعمه الملك والإله!
وحضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام ، وحضر السحرة
وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل ، وكلهم ثقة بفوزهم
في هذا التحدي ، ورمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون
فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة وأثاروا الرهبة في قلوب الناس
فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر
بالخوف .. ورفع عصاه وألقاها .. لم تكد عصا موسى تلامس
الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى .. وضخامة المعجزة حولت
مشاعر ووجدان السحرة ، بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير:
فَقَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى
هزت هذه المفاجأة العرش من تحت فرعون ، مفاجأة
استسلام السحرة لرب موسى وهارون .
ويعلن السحرة حقيقة المعركة ، فلا يطلبون الصفح
والعفو إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم فيقف
الطغيان عاجزاً أمام هذا الوعي وهذا الاطمئنان .
وتبدأ جولة تآمر الملأ ، فهاهم المصريين ، يحرضون
فرعون ويهيجونه على موسى ومن آمن معه ، وكان
فرعون يستمد قوته من ديانتهم الباطلة ، حيث كان
فرعون ابن الآلهة ، فإن عبد موسى ومن معه الله
رب العالمين ، لن تكون لفرعون أي سطوة عليهم .
فاستثارت هذه الكلمات فرعون ، وأشعرته بالخطر
الحقيقي على نظامه كله ففكر بوحشيته المعتادة في
قتل موسى .
لم يهتد المصريون ، وخرج فرعون لقومه ،
وأعلن أنه إله .. أليس له ملك مصر، وهذه
الأنهار تجري من تحته ، وأن موسى ساحر
كذاب ورجل فقير لا يرتدي أسورة واحدة
من الذهب.
وبدا واضحاً أن فرعون لن يؤمن لموسى ..
ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل ، ولن يكف
عن استخفافه بقومه .
هنالك دعا موسى وهارون على فرعون .
ولم يكن قد آمن مع موسى الا فريق من قومه ،
انتهى الأمر، وأوحي لموسى أن يخرج من مصر مع
بني إسرائيل ، وأن يكون رحيلهم ليلاً ، وبلغت الأخبار
فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج ..
فأرسل لحشد جيش عظيم .. ليدرك موسى وقومه .
وقف موسى أمام البحر.. وبدأ جيش فرعون يقترب ،
كان الموقف حرجاً وخطيراً ، فالبحر أمامهم والعدو
ورائهم وليس معهم سفن أو أدوات لعبور البحر، كما
ليست أمامهم قدرة للقتال .. إنهم مجموعة من النساء
والأطفال والرجال غير المسلحين .. سيذبحهم فرعون
عن آخرهم .. وصرخت بعض الأصوات من قوم موسى:
سيدركنا فرعون .
وفي اللحظة الأخيرة ، يجيء الوحي من الله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى
مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضربه ، فوقعت المعجزة
وتحقق المستحيل في منطق الناس ، لكن الله إن أراد شيئاً قال
له كن فيكون .
ووصل فرعون إلى البحر فشاهد طريقاً يابساً يشقه نصفين
فأمر جيشه بالتقدم .. وحين انتهى موسى من عبور البحر..
وما أن صار فرعون وجنوده في منتصف البحر، انطبقت
الأمواج على فرعون وجيشه .
ولما عاين فرعون الغرق ، ولم يعد يملك سبيلاً للنجاة ، فلم
يكتفي بأن يعلن إيمانه ، بل والاستسلام أيضاً لكن بلا فائدة ،
فقد انتهى وقت التوبة .
الخميس 14 نوفمبر 2024, 11:23
