قال التليدي في ص 100 ـ 101 :
من أحبّ الحسن أحبّه الله عزّ وجل .
102 ([1]) ـ وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه . فقال ادع الحسن بن علي فجاء الحسن يمشي وفي عنقه السخاب([2]) فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده هكذا فقال الحسن بيده هكذا ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اللّهمّ إنِّي اُحبّه فأحبّه ، واُحبّ من يحبّه» قال أبو هريرة : فما كان أحد أحبُّ إليَّ من الحسن بن علي بعدما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال .
وفي الحديث : منقبة للحسن أيضاً وانّه محبوب لله ولرسوله وزاده تعالى اكراماً فجعل محبّيه من المحبوبين له عزّ وجل
كان الصحابي الراوية أبو هريرة يتّصف بصفتين :
الف : قصاص يخرج قصصه أصحاب الصحاح والمسانيد الحديثية .
ب : ابن الوقت ولذلك يتناسب ما يرويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ويسنده إليه مع الزمان الذي يعيش فيه !
ولذلك تكون رواياته تارة صحيحة وممّا سمعها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وتارة ينسـب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يقله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مراعاة للزمان الذي يعيش فيه ، امّا قصصه اللاّتي أخرجها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد في كتبهم فإليكم في ما يأتي أمثلة منها :
لطم موسى عين ملك الموت : أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي هريرة قال : جاء ملك الموت إلى موسى (عليه السلام) فقال له : أجب ربك ، قال : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال : فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : أ نّك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني . قال : فردّ الله
إليه عينه وقال ارجع إلى عبدي فقل : الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع
يدك على متن ثور ; فما توارت بيدك من شعرة فإنّك تعيش بها سنة ... الحديث([4]) .
وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده([5]) وفيه : انّ ملك الموت كان يأتي موسى فلطمه ففقأ عينه ... الحديث .
وأخرجه ابن جرير الطبري في الجزء الأوّل من تاريخه([6])
عن أبي هريرة ولفظه عنده : انّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى أتى
موسى فلطمه ففقأ عينه وفي آخره انّ ملك الموت جاء إلى الناس خفياً بعد موت
موسى([7]).
ج : فرار الحجر بثياب موسى وعدو موسى خلفه ونظر بني إسرائيل إليه مكشوفاً .
أخرج الشيخان فى صحيحيهما بالإسناد إلى
أبي هريرة قال : كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض
وكان موسى (عليه السلام)يغتسل وحده فقالوا ; والله ما منع موسى أن يغتسل
معنا إلاّ أ نّه آدر (أي ذو فتق) قال فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر
ففر الحجر بثوبه فجمع موسى بأثره يقول : والله ما بموسى من بأس ، فقام
الحجر بعد حتّى نظر إليه فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضرباً ؟ فو الله انّ بالحجر ندباً ([8])ستّة أو سبعة ... الحديث([9]) وفي الصحيحين عن أبي هريرة ان هذه الواقعة
هي التي أشار الله
إليها بقوله عزّ من قائل (يَا أَ يُّهَا ا لَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا
كَالَّذِينَ آذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ
اللهِ وَجِيهاً )([10]) .
وأنت ترى ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلاً فانّه لا يجوز تشهير كليم الله (عليه السلام)
بابداء سوأته على رؤوس الاشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه ولا
سيما إذا رأوه يشتد عارياً ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر ; ثوبي حجر
ثوبي حجر ثمّ يقف عليه وهو عاري إمام الناس فيضربه .
كان ذلكما مثالين من قصصه التي أخرجها
أصحاب الصحاح والمسانيد ونذكر بحوله تعالى في ما يأتي مثالين من روايته
الحديث بما يناسب الزمان الذي كان يعيش فيه .
أوّلاً ـ في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي عن نهج البلاغة :
قال([11])
: لمّا قدم أبو هـريرة العـراق مع معاوية عام الجـماعة جاء إلى مسجد
الكوفة فلمّا رأى كثره مَن اسـتقبله مِنَ الناس جثا على ركبتيه ثمّ ضرب
صلعته مراراً !! وقال : يا أهل العراق ! أتزعمون انِّي أكذب على الله ورسوله واحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله يقول : انّ لكل نبيّ حرماً وانّ المدينة حرمي فمَن أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعـين «قال» واشهد بالله انّ عليّاً أحدث فيها !! فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاّه إمارة المدينة([12]) .
ثانياً ـ تغييره ما قاله الرسـول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزل عليه ( ... وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) كما مرّ بنا .
1
رواه أحمد 2 / 331 ، 329 ، والحميدي ، 1043 ، والبخاري في البيوع 5 / 244
وفي اللباس 12 / 451 ، ومسلم في الفضائل 15 / 192 ـ 193 ، والنسائي في
الكبرى 8164 ، وابن ماجة / 142 ، وابن حبان / رقم 6963 ، مع الإحسان واللفظ
له . قوله : ادع الحسن في رواية البخاري وغيره فجلس بفناء بيت فاطمة فقال : أثم لكع أثم لكع ؟ واللكع هنا المراد به الصغير .
2
السـخاب : بالسين والخاء المعجمة ، خيط ينظم فيه خرز ويلبسه الصبيان
والجواري ووهم من رواه الشحاب بالشين والحاء المهملة . فقال : أي فعل بيده
هكذا أي مدها ثمّ التزمه وعانقه وقبله كما في رواية البخاري .
3هكذا نقل .
4
(أ) كما أخرجه البخاري بالاسناد إليه في ص165 من الجزء الثاني من صحيحه في
باب قوله تعالى (وَوَهبنا لِداود سُليمان نعم العبد انّه أوّاب ) من كتاب
بدء الخلق . (ب) كما أخرجه مسلم بالإسناد إليه في باب الاستثناء من كتاب
الإيمان ، ص 23 من الجزء الثاني من صحيحه، وأخرج مسلم أيضاً في ذلك الباب
نفسه حديثاً من طريق آخر عن أبي هريرة انّهنّ سبعون وأخرج فيه من طريق ثالث
انّهنّ تسعون فراجعه . (ج) أوردناه بلفظ مسلم وقد أخرجه عن أبي هريرة بطرق
كثيرة ، باب فضائل موسى من كتاب الفضائل من صحيحه ، ص 309 من الجزء الثاني
، وأخرجه البخاري في باب وفاة موسى من كتاب بدء الخلق بعد حديث الخضر بأقل
من صفحتين من صحيحه فراجع ص 163 من الجزء الثاني ، وأخرجه أيضاً في باب من
أحبّ الدفن في الأرض المقدّسة من أبواب الجنائز من صحيحه فراجع ص 158 من
جزئه الأوّل .
5 ص 315 من جزئه الثاني .
6 وذلك حيث ذكر وفاة موسى في كتابه تاريخ الاُمم والملوك .
7
لو انّ ملك الموت كان يأتي عياناً قبل وفاة موسى لطفحت به الأخبار واشتهر
اشتهار الشمس في رابعة النهار فما بال المحدِّثين والمؤرِّخين وأهل الأخبار
من جميع الاُمم اغفلوا هذا الخبر لو كان له أثر ، وما بال القصاصين
والمخرفين ما حام خيالهم حوله ، فهل تركوا الامتياز به لأبي هريرة ؟
8 الندب بوزن جمل أثر الجراح إذا لم يرتفع عن الجلد .
9أوردناه
بلفظ مسلم إذ أخرجه عن أبي هريرة بطرق كثيرة فراجع باب فضائل موسى ص 308
من الجزء الثاني من صحيحه ، وأخرجه البخاري في باب الذي هو بعد حديث الخضر
من صحيحه ص 162 من الجزء الثاني ، وفي ص 42 من جزئه الأوّل في باب من اغتسل
عرياناً من كتاب الغسل ، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة
فراجع ص 315 من الجزء الثاني من مسنده .
10 الأحزاب / 69 .
11 كما في ص 359 من المجلّد المذكور من شرح النهج .
12
وروى سفيان الثوري عن عبدالرّحمن بن قاسم عن عمر بن عبدالغفار انّ أبا
هريرة لمّا قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس
إليه فجاءه شاب من الكوفة ـ لعلّه الأصبغ بن نباتة ـ فجلس إليه فقال : يا
أبا هريرة ! أنشدك بالله أسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول لعليّ بن أبي طالب : اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه ؟ فقال :
اللّهمّ نعم قال : فاشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه ، ثمّ قام عنه
وانصرف
أمس في 17:46
